logoنسخة تجرييبة
عن المشروع

شهوة الآكل

إن أعظم المهلكات لابن آدم شهوة البطن فبها أخرج آدم ﵇ وحواء من دار القرار إلى دار الذل والافتقار إذ نهيا عن الشجرة فغلبتهما شهواتهما حتى أكلا منها فبدت لهما سوآتهما والبطن على التحقيق ينبوع الشهوات ومنبت الأدواء والآفات إذ يتبعها شهوة الفرج وشدة الشبق إلى المنكوحات ثم تتبع شهوة الطعام والنكاح شدة الرغبة في الجاه والمال اللذين هما وسيلة إلى التوسع في المنكوحات والمطعومات ثم يتبع استكثار المال والجاه أنواع الرعونات وضروب المنافسات والمحاسدات ثم يتولد بينهما آفة الرياء وغائلة التفاخر والتكاثر والكبرياء ثم يتداعى ذلك إلى الحقد والحسد والعداوة والبغضاء ثم يفضي ذلك بصاحبه إلى اقتحام البغي والمنكر والفحشاء وكل ذلك ثمرة إهمال المعدة وما يتولد منها من بطر الشبع والامتلاء ولو ذلل العبد نفسه بالجوع وضيق به مجاري الشيطان لأذعنت لطاعة الله ﷿ ولم تسلك سبيل البطر والطغيان ولم ينجر به ذلك إلى الانهماك في الدنيا وإيثار العاجلة على العقبى ولم يتكالب كل هذا التكالب على الدنيا وإذا عظمت آفة شهوة البطن إلى هذا الحد وجب شرح غوائلها وآفاتها تحذيرًا منها ووجب إيضاح طريق المجاهدة لها والتنبيه على فضلها ترغيبًا فيها.

بيان فضيلة الجوع وذم الشبع

أحاديث


ما ملأَ آدميٌّ وعاءً شرًّا من بطنٍ حسْبُ الآدميِّ لقيماتٌ يُقِمنَ صلبَهُ فإن غلبتِ الآدميَّ نفسُهُ فثُلُثٌ للطَّعامِ وثلثٌ للشَّرابِ وثلثٌ للنَّفَسِ

الآثار

  • فقد قال عمر ﵁ إياكم والبطنة فإنها ثقل في الحياة نتن في الممات
  • قال لقمان لابنه يا بني إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة وخرست الحكمة وقعدت الأعضاء عن العبادة
  • قيل وضعت الحكمة والعلم في الجوع ووضعت المعصية والجهل في الشبع

بيان فوائد الجوع وآفات الشبع

  1. صفاء القلب وإيقاد القريحة وإنفاذ البصيرة فإن الشبع يورث البلادة ويعمي القلب ويكثر البخار في الدماغ شبه السكر حتى يحتوي على معادن الفكر فيثقل القلب بسببه عن الجريان في الأفكار وعن سرعة الإدراك بل الصبي إذا أكثر الأكل بطل حفظه وفسد ذهنه وصار بطيء الفهم والإدراك
  2. كسر شهوات المعاصي كلها والاستيلاء على النفس الأمارة بالسوء فإن منشأ المعاصي كلها الشهوات والقوى ومادة القوى والشهوات لا محالة الأطعمة فتقليلها يضعف كل شهوة وقوة وإنما السعادة كلها في أن يملك الرجل نفسه والشقاوة في أن تملكه نفسه.
  3. درء بقية الشهوات وما ينجم عنها من معاصي. إن القوم لما شبعت بطونهم جمحت بهم نفوسهم إلى هذه الدنيا وهذه ليست فائدة واحدة بل هي خزائن الفوائد ولذلك قيل الجوع خزانة من خزائن الله تعالى وأقل ما يندفع بالجوع شهوة الفرج وشهوة الكلام فإن الجائع لا يتحرك عليه شهوة فضول الكلام فيتخلص به من آفات اللسان كالغيبة والفحش والكذب والنميمة وغيرها فيمنعه الجوع من كل ذلك وإذا شبع افتقر إلى فاكهة فيتفكه لا محالة بأعراض الناس ولا يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حصائد ألسنتهم
    وأما شهوة الفرج فلا تخفى غائلتها والجوع يكفي شرها وإذا شبع الرجل لم يملك فرجه وإن منعته التقوى فلا يملك عينه فالعين تزني كما أن الفرج يزني فإن ملك عينه بغض الطرف فلا يملك فكره فيخطر له من الأفكار الرديئة وحديث النفس بأسباب الشهوة ما يتشوش به مناجاته وربما عرض له ذلك في أثناء الصلاة
  4. دفع النوم ودوام السهر فإن من شبع شرب كثيرًا ومن كثر شربه كثر نومه.
  5. تيسير المواظبة على العبادة فإن الأكل يمنع من كثرة العبادات لأنه يحتاج إلى زمان يشتغل فيه بالأكل وربما يحتاج إلى زمان في شراء الطعام وطبخه ثم يحتاج إلى غسل اليد والخلال ثم يكثر ترداده إلى بيت الماء لكثرة شربه
  6. يستفيد من قلة الأكل صحة البدن ودفع الأمراض فإن سببها كثرة الأكل وحصول فضلة الأخلاط في المعدة والعروق ثم المرض يمنع من العبادات ويشوش القلب ويمنع من الذكر والفكر وينغص العيش ويحوج إلى القصد والحجامة والدواء والطبيب وكل ذلك يحتاج إلى مؤن ونفقات لا يخلو الإنسان منها بعد التعب عن أنواع من المعاصي واقتحام الشهوات وفي الجوع ما يمنع ذلك كله
  7. خفة المؤونة فإن من تعود قلة الأكل كفاه من المال قدر يسير والذي تعود الشبع صار بطنه غريمًا ملازما له آخذا بمخنقه في كل يوم

كيف تتغلّب على شهوة الإفراط في الآكل؟

الموانع البيئية

الأصحاب، الأهل، الأقارب ،مكان العمل، مكان العيش والحالة المدية منها ما يعينك ومنها يمنعك غير في البيئة ما يعينك على تحقيق مرادك.

الموانع الذهنية

اعلم أنّك ستمنع عن نفسك ما يُخضعها لك فترقب خواطر وأفكار كثيرة تشكك بجدوى هذا الأمر و إمكانية تحقيقه في زمان ومكان انتشر فيه ما لذّ وطاب. فاستعن بالله ولا تعجز، تدرج بالأمر ولا تقم بذلك دفعة واحدة حتى تعتاد نفسك وتلين لك و أبقي في ذهنك مغانم كسر هذه الشهوة كلما خطر لك صعوبة هذا الامر أو تأجيله لوقت آخر، فإنّ كسر هذه الشهوة هو بداية لكسر باقي الشّهوات تباعًا كأحجار الدومينو.

وإن استعصى عليك الأمر، فلعلّك ظننتَ بأنّك ستنجح بمُجرّد إرادتك، من دون الاستعانة بالله والالتجاء إليه. فتأمّل أمرك مليًّا، وحاوِل مرارًا وتكرارًا.

إثارة الرغبة بالآكل بدون جوع

ومصادرها الرئيسي منصات التواصل الاجتماعي والفيديوهات القصيرة التي تثير الشهية وترفع الهمة لإشباع الشهوة.

طريقة الآكل وكمية الطعام

كُلّ على مهلك واستمتع بما أحل الله لك فالأكل السريع يأخر الشعور بالشبع فيكثر المرء من الأكل ظنن منه أنه لم يكتفي بعد فتمهل ولا تتعجل الاكل.

نوعية الطعام

تجنّب تنويع الأطعمة وكثرة الأصناف، فكثرة الأنواع تُضعِف لذّة الاستمتاع بالطعام الواحد، وتُرهِق معدتك، وتُثقِل همّتك.
وإن كنت ممّن يعيشون في بلدان ينتشر فيها الاستهلاك المفرط كدول الخليج والغرب، فمن المرجّح أنّك تتسوّق من المتاجر الضّخمة. لذا ننصح بالبحث عن بدائل أخرى؛ إذ إنّ كثيرًا من منتجات تلك المتاجر مُحضّرة بطريقة تزيد من استهلاكك لها، وذلك من خلال زيادة نسب السّكّر فيها. ولن أتطرّق هنا للأضرار الأخرى حتّى لا أخرج عن سياق الموضوع.

    المصادر
  • كتاب إحياء علوم الدين
آخر تعديل: 20.12.2023 / 10:31